سياسة الرئيس الأمريكي جون كينيدي تجاه بيرو: بين التدخل المباشر و الدعم الحذر من حزيران 1962-1963
Abstract
أنّ الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية تجاه بيرو، من قطع العلاقات الدبلوماسية، واستدعاء السفير الأمريكي، وفرض قيود على المساعدات الاقتصادية، لم تكن مجرد رد فعل مباشر على السياسات الداخلية لحكومة بيرو العسكرية، بل كانت تحمل في طياتها رسائل سياسية أوسع. فقد هدفت هذه الخطوات إلى التأثير على سلوك الحكومة البيروفية، وفي ذات الوقت توجيه رسالة تحذيرية إلى بقية دول أمريكا اللاتينية مفادها أنّ الانقلابات العسكرية والخروج عن المسار الديمقراطي، أو التعدي على مصالح الشركات الأمريكية، لن يمرّ دون رد من قبل واشنطن. وهذا يعكس طبيعة السياسة الأمريكية في تلك الحقبة، والتي اتسمت باستخدام الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية كوسائل ضغط لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. من جانب آخر، كانت الإدارة العسكرية في بيرو تنظر إلى الاستثمار الأجنبي نظرة براغماتية، معتبرة إياه أداة مهمة لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق النمو. ومع ذلك، فإنّ مواقف الفاعلين المحليين تجاه هذا الاستثمار كانت متباينة؛ فرجال الأعمال كانوا يميلون إلى الترحيب بالاستثمار الأجنبي لما يوفره من فرص لتوسيع الأسواق وتعزيز الأرباح، بينما كان بعض الموظفين العموميين يتعاملون معه بحذر، خشية التأثيرات السلبية على السيادة الاقتصادية أو التبعية الخارجية. ويهدف البحث إلى تسليط الضوء على هذه التباينات في المواقف، وتحليل آثارها على السياسات الاقتصادية المتبعة في بيرو خلال تلك المرحلة. فالدولة التي تستقبل الاستثمار الأجنبي عادةً ما تجني فوائد متعدّدة، من بينها ارتفاع معدلات تشغيل اليد العاملة، وزيادة تدفق رؤوس الأموال، ونقل التكنولوجيا الحديثة، وتحسين نوعية القوى العاملة من خلال التدريب والخبرة. وفي المقابل، تستفيد الشركات الأجنبية من دخول أسواق جديدة، وتوسيع نشاطها، وتحقيق أرباح أعلى نتيجة لتقليل التكاليف الإنتاجية في بعض الأحيان. وبالتالي، فإن ارتفاع مستويات المعيشة في الدول المستقبلة للاستثمار يسهم – وإن بصورة غير مباشرة – في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما تنظر إليه الولايات المتحدة كعنصر أساسي من عناصر أمنها القومي، حيث ترى في الاستقرار الإقليمي ركيزةً لديمومة مصالحها الاقتصادية والسياسية في نصف الكرة الغربي.